ظهر الرجل في الوسط الكنسي بشكل مفاجئ! ولم يُعرف عنه أي تاريخٌ واضحٌ قبل شهرته، وكأنه بالفعل كان يتعمد الصمت وعدم البوح بأفكاره بصورة فجة حتى تصبح له قوة وشهرة تحميه، فقد كان ذكيًا ويتمتع بسرعة البديهة، ولكنه للأسف كان ماكرًا يُظهر خلاف ما يبطن.
دخل في مجال الدراسة اللاهوتية، ودرس الفلسفة المسيحية حتى دخل في السلك الكهنوتي، وصار يعظ على منبر أهم كنيسة في الإسكندرية، واستطاع بخبثٍ أن يجذب الجماهير من خلال كتاباته التي كان يخفي فيها سمومَه الفكرية بين ثناياها، وذلك بأسلوبِه الأدبي الجذاب وحديثِه العذب الذي يخفي وراءَه طبعَه المتغطرس.
وكان منهجه يعتمد على أن يسأل الناس أسئلة تُهكمية ساخرة تبلبل عقولهم وتشككهم فيما قد استلموه من الكنيسة، حتى تَهْتِزَ صورة التعليمِ الأرثوذكسي المستقيم في عقولِهِمْ، بل وصل به الأمر أنَّه في منشوراتِهِ الأدبية كان يحاول أن يقلِّلَ من شأنِ الابنِ ولاهوتِه داخل الثالوث المقدس، وذلك من خلال تأمله في حادثة صلاة المسيح في بستان جثسيماني، بالإضافة إلى حوادث أخرى كثيرة، مما جعله بذلك يتورط في الاعتقاد بتعدد الآلهة!
مرَّت عليه فترةٌ لم يكن مُتَاحًا لَهُ فيْهَا أنْ يُعْلَمَ بهرطقتِه، حتى جاء عَهْدٌ جديد سُمِح له فيه بالتعليم، وبدأت تتفتح أمامَهُ الأبواب التي كانت مغلقة، فانطلق، وصار يخطبُ ويعلِّمُ في الكنائسِ والمجتمعات المختلفة، وحصل للأسف على دعم قوي من بعض الأساقفة!
كان له تلاميذ وأتباع أسوأ منه، وأكثر جرأة وصراحة منه في التعبير عن هرطقته، على العكس منه تمامًا، فقد كان ماهرًا في التملص والمراوغة، كما كان ينتقي كلماته ويصيغ عباراته بحرص شديد، وكان يطمح وكانوا يحلمون معه في أن يجلس على كرسي البطريركية في يوم ما.
هذا الرجل هو القس أريوس الذي ترجع أصوله إلى ليبيا، وكان يعظ في أحد أكبر كنائس الإسكندرية المعروفة باسم كنيسة بوكاليا، وقد حَرَّمَه من الشركة والتعليم البابا بطرس خاتم الشهداء، حتى أعاده البابا أرشيلاوس مرة أخرى، كما كان مدعومًا من أساقفة فاسدي الذهن على رأسهم ذئب نيقوميديا الأسقف يوسابيوس.
وتتلخص هرطقة أريوس في إنكاره لأزلية الابن، وعدم مساواته للآب في الجوهر، وقد وقف أمامه وأمام هرطقته الشماس أثناسيوس في مجمع نيقية، الذي لقبته الكنيسة فيما بعد بلقب حامي الإيمان، واستطاع بإيمانه القوي بالإلهِ الكلمة المتجسد ومن خلال مرجعية الكنيسة أن يدحض أطروحات أريوس العقلية الفاسدة.
نُشرت لأول مرة في 15 يناير 2019 على موقع الشجرة المغروسة