الشتاء قادم.. نهاية عصر الأبواب الرمادية!
كم هو مريح البقاء في المنطقة الآمنة الدافئة البعيدة عن العواصف، ولكن الحقيقة القاسية التي تتأكد لنا يومًا بعد يوم هي أن الشتاء قادم. حتى لو تأخر قليلًا أو تعطل لسبب ما، ولكنه حتمًا قادم، وسيكون قارسًا، وسيغطي بثلوجه الصلبة جميع المناطق بلا رحمة، بما فيها المناطق التي اعتاد سكانها الهدوء منذ زمن.
ولن يرحم حتى عزيز قوم اعتاد الجلوس على قمة برجه العالي في العاصمة، متحصنًا بأمواله ونفوذه، ليشاهد من شرفته الكوارث وهي تفتك بالعوام من الناس. كذلك لن يرحم من أعتزل في الريف ولا يأكل إلا ما يزرعه بيديه، معتقدًا بذلك إنه بعيد عن جبهات الحروب. ولن يفلت منه من يهرب إلى الصحراء القاحلة، فحتى هذه سيصل إليها الشتاء. ولن يشفق حتى على ذلك الداهية الذي يظن في نفسه أنه يستطيع دائمًا تفادي البلايا التي يتعرض لها باقي البشر الأقل حرصًا، فلن يعد هناك فيما بعد أي استثناء.
صرنا الآن في مفترق الطرق، وقد نكون على وشك اضمحلال عصر الاختيار الحر، حينها ستغلق جميع الأبواب الرمادية، ولن يتاح للجميع سوى لونين، اختيارين، الأبيض أو الأسود، الحق أو الباطل، الطريق الضيق أو الطريق الواسع، أورشليم الجديدة أو وادي هنوم، إلهنا الصالح أو إله هذا الدهر.
وحينها سيكون تجنب الصدام مع ظلمة الشتاء اختيار غير متاح على الإطلاق، حديثنا هنا ليس على مستوى دولة هنا أو إقليم هناك، بل على مستوى كوني، لأن كل الجهات صارت تنسق مع بعضها البعض، وسلاطين الأرض تحالفت ضد الرب ومسيحه، غير مدركين أن الساكن في السماوات يستهزئ بهم، وسيقلب مخططاتهم ضدهم.
ويل للأغبياء في تلك الأيام، فمن سيختار بإرادته اللون الرمادي يظن بذلك أنه يحمي نفسه، أو عائلته، أو مكانته، أو ثروته، أو حتى لقمة عيشه، لكنه في الواقع لا ينظر إلا أبعد من أسفل قدميه بقليل، فالعبرة دائمًا كما نعلم هي بالخواتيم، والخواتيم تحمل العديد من المفاجآت الغير سارة للعذارى الجاهلات والشباب الأغبياء، الأغنياء منهم قبل الفقراء.
والذي سيختار الرمادي لن يقبله الذين اختاروا اللون الأبيض، وسيصير أمامهم كالذي أختار الأسود بالضبط، وكذلك لن يرحمه الذين اختاروا اللون الأسود حتى يخضع لسلطانهم في النهاية، فلم يعد هناك مفر، لن تكون هناك أي إمكانية أو منفذ للإمساك بالعصا من المنتصف كما أعتاد معظمنا أن يفعل من قبل.
حتى المخلصين من الأمناء الذين يحاولون حتى الآن تجنب أي صدام مباشر مع العالم لضمان استمرار كرازتهم له، ويتعرضون لمزايدات كثيرة من الغيورين بسبب صمتهم، لن يستطيعوا الصمت طويلًا أمام هذه التغيرات هائلة الحجم التي تحدث في الكون، صمتهم يتوقف على مدى قدرتهم على البوح بالحق الذي يؤمنون به كما تعودوا في السابق، وفي النهاية سيسير بعضهم في الطريق الضيق، أما أغلبهم فسيتزاحم على الطريق الواسع.
ووقتها سندرك أكثر من أي وقت مضى معنى كلام الرب يسوع المسيح له كل المجد حينما قال: “كثيرون أولون يكونون آخرين، وآخرون أولين.” (مت 19: 30)، لأننا نلاحظ كثيرين من حظائر أخرى في عالمنا الواسع أدركوا أخيرًا الحق الإلهي كما هو، وفطنوا إلى حقيقة الخلاص المسيحي المتاح في الكنيسة المستقيمة الإيمان، وانضموا لها عن وعي، وعن استنارة ذهن، في الوقت الذي نجد فيه كثيرين أيضًا من أبناء الواحدة الوحيدة يسخرون منها، ويفرطون في إيمانهم بمنتهى الأريحية لصالح أفكار وشيع حديثة بلا حصر.
إنه زمن صعب وقاس يحتاج إلى صلاة حارة بدموع من الجميع، لكي ينجينا الرب الإله من الاختيار الخطأ، خاصة أن لقمة العيش بالذات ستكون من أهم الأسباب التي ستجعل الكثيرين يبيعون الغالي الذي ورثوه بلا تعب منذ حداثتهم، ولهذا قالها المسيح مبكرًا: “لا يقدر أحد أن يخدم سيدين.. إما الرب الإله وإما المال” (مت 6: 24).
هكذا سيهلك كل الخائفين والمتنعمين وأصحاب الأحلام الكبيرة المرتبطة بظلمة هذا الدهر، ولن ينجو حتى من المختارين إلا كل من تمنطق بالحق، وحمل ترس الإيمان، وأخذ خوذة الخلاص، ولبس سلاح الرب الإله الكامل.